ليلى وهمسات الزيتون العتيق

في دوّار صغير وسط التلال، كانت ليلى تعشق تمشي بين زيتونات جدّودها، تلمّس قشورها الخشنة وتسمع صوت الريح وهي تمرّ بين أوراقها. ديما تحسّ اللي الأشجار عندها حكايات مخبّية، تستنّى حد يفهمها. أكثر زيتونة تحبّها كانت وحدة واقفة في نصّ الحقل، يقولوا عليها “الزيتونة العتيقة”، عمرها أكثر من مية عام، لكن دايما تبقى خضراء وقويّة، كأنها تخبّي سرّ كبير.

نهار من النهارات، بعد ما كمّلت تساعد أمّها في جمع الزيتون، قعدت تحت الزيتونة العتيقة تحسّ بالنسيم البارد. سكّرت عينيها لحظة، وفجأة، حسّت كأن الريح تهمس لها بشيء غريب. فتحت عينيها بسرعة، وتلفّتت يمين ويسار، لكن ما كان ثمّا حدّ. سمعت الهمس مرّة أخرى، لكن هالمرة كان الصوت جاي من الجذع المتشقّق. قرّبت ودنها أكثر، وسمعت كلمات خفيفة:

“إذا تحب تعرف السر، تبّع ظلّي وقت المغيب.”

وقفت ليلى بسرعة، قلبها يدقّ من شدّة الحماس. “معقول؟ شجرة تحكي؟ ولا أنا تخيّلت؟” لكنها قرّرت ما تهمل الشي اللي سمعتو. استنّت حتى بدات الشمس تغيب، وبدات تراقب ظلّ الزيتونة كيفاش يطوّل ويمشي ببطء فوق الأرض. تبّعته بعينيها حتى شافتو يوقف عند طريق حجري قديم، كان مخفي تحت الأعشاب وما عاد حدّ يمشي فيه.

بخطوات متردّدة، مشت ليلى وراء الظلّ. كانت الدنيا بدات تتبدّل، الريح تزيد قوّتها، والسماء تصير برتقالية، كأنها تحاول تحكيلها حاجة. وصلت للطريق، وقفت، تلفّتت حواليها، لقات حجر كبير محفور فيه رمز غريب، يشبه غصن زيتون ملتفّ.

ركعت ونفّضت التراب حول الحجرة، وفجأة صوابعها حسّت بحاجة صلبة. حفرت أكثر، حتى لقات صندوق خشبي مدفون تحتها. شالتو بحذر، مسحت الغبار عليه، وشافت عليه نقش قديم: “الذاكرة في الجذور، والقلب هو المفتاح.”

بيدين ترجف، فتحت الصندوق، لقات داخله ورقة صفراء مكتوبة بخطّ يد قديم:

“إلى اللي يلقى هالرسايل، لازم يعرف اللي الزيتون يحفظ أسرار اللي زارعوه، كيف ما الأرض تحفظ كل خطوة مشى عليها جدودنا. إذا تحب تعرف الحقيقة، المفتاح اللي في يدك يفتح باب الماضي.”

في قاع الصندوق، كان ثمّا مفتاح صغير، صدّي، لكن ليلى حسّت اللي قيمتو كبيرة. مسكتو بقوّة، قلبها يعصر في الفضول والخوف مع بعض. “شنو الباب اللي يفتحو هالمفتاح؟ وهل السرّ اللي تخبّيه الزيتونة باش يبدّل حياتي؟”

ما استنّتش، رجعت تجري للدوّار، قلبها يدقّ بسرعة، كل شي تحوّل لمغامرة كبيرة. طول الليل، فضلت تفكّر، تشوف المفتاح، تقرأ الورقة مرّة واثنين، تحاول تربط الأحداث ببعضها. فجأة تذكّرت: ثمّا دار قديمة في طرف الدوّار، مسكّرة وما حدّ يدخلها. يقولوا كانت متاع جدّها الكبير، لكن من وقت ما توفّى، بابها ما عاد تفتح.

نهار الغد، قامت بكري ومشيت للدار القديمة. قربت للباب، حطّت المفتاح في القفل، دار بسهولة، وكأنو كان يستنّاها. فتحت الباب بشويّة خوف، الريح دخلت تدور في المكان، والغبار طار في الهوا. الدار كانت مليانة كتب قديمة، صور باهتة، وأغراض ما شافتهمش قبل. وسط الغرفة الكبيرة، كان ثمّا صندوق ثاني، أكبر من اللي لقاتو تحت الزيتونة.

فتحتو، ولقت جوّا دفتر قديم، الغلاف متاعو مصنوع من جلد الزيتون، وداخلو مكتوب فيه تاريخ الضيعة، أسرار العايلة، وقصص ناس كانوا هنا قبل أكثر من مية عام. كانت الأوراق تحكي كيفاش أجدادها زرعوا الزيتونة العتيقة، وكيف كانت رمز للقوّة والصبر، وكيف تخبّي ذاكرة الأرض.

عيون ليلى دمعت، حسّت بروحها جزء من حاجة أكبر، جزء من تاريخ حيّ ما ماتش.

خرجت من الدار، مسكت المفتاح بقوّة، ونظرت للزيتونة العتيقة من بعيد. ابتسمت وقالت في سرّها:

“الحكاية هاذي مازال عندها فصول أخرى، وأنا باش نكون اللي نكملها.”

سرّ الجرة المدفونة

بحيّ قديم ببغداد، كانت تعيش “رُبى” ويّا أمّها وجدّها ببيت تراثي من الطين والخشب، محاط بحديقة صغيرة فيها شجر رمان

سرّ الزهرية المفقودة

في مدينة مغربية قديمة، بين الأزقة الضيّقة والبيوت اللي جدرانها مزوّقة بالزليج، كانت تعيش نورة مع جدّها في دار قديمة

Scroll to Top