بحيّ قديم ببغداد، كانت تعيش “رُبى” ويّا أمّها وجدّها ببيت تراثي من الطين والخشب، محاط بحديقة صغيرة فيها شجر رمان وياسمين يفوح عطره بكل زاوية. جدّها دايمًا يحجيلها حكايات من زمان، عن بغداد قبل، عن النهر، وعن الناس الطيبين.
بس أكتر شي كانت تحب تسمعه، هو عن الجرة الغريبة اللي يحچي عنها كلّ مرة، جرة طينية قديمة يقول إنها كانت تخص جدّه الكبير، وبيها سرّ مخفي، محد يعرفه غير الناس اللي حافظين الوصايا.
بيوم من الأيام، وأمّها طالعة تزور خالتها، رُبى گالت لجدّها: “جدّو، مو إنت كل مرة تحچي عن الجرة، بس ما تفرجيني ياها؟ صايرة أحلم بيها!”
ضحك الجد بهدوء، وقاللها: “مو كل شي ينوگال، أكو أشياء تنكشف بوقتها… بس يمكن هالوقت إجه.”
قام وسحب مفتاح صدّي من تحت الفرشة، وراح وياها للمخزن. گالها: “هاي الغرفة محد يفوتها من سنين، بس اليوم، راح نكشف شغلة كبيرة.”
فتح الباب، والغبار تناثر بكل مكان. رُبى حسّت قلبها يدگ بقوة. كان جوّا غرفة مظلمة، بس ضوّ الفانوس خلى الظلال ترگص على الجدران.
ورّه الزاوية، كانت گعدة جرة كبيرة، مشقوقة من جهة، بس لا زالت محافظة على رونقها. بيها نقوش غريبة، كلمات ما تعرفها. قربت رُبى ولمستها، بنفس اللحظة، الجرة طلّعت صوت خفيف، وكأنّها تنفّست!
“سمعتي؟” سألها جدّها.
“إي… چانت تحچي؟!”
“هاي الجرة بيها سرّ أمانة من أزمان. واللي يگدر يفسّر نقوشها، يلقى الطريق لحكايات كانت مطمورة بالنسيان.”
رُبى چعدت تقرا الرموز، وبلشت تربط بينها وبين القصص اللي كانت تسمعها. بعد أيام من البحث، لقت إنو هاي الرموز تشير لمكان مذكور بحكاية قديمة: “ساحة الچلابي” – ساحة نسيوها الناس، بس يگولون كانت مركز فن وثقافة ببغداد القديمة.
أخذت رُبى الجرة، وگامت تروح هناك، كل يوم، تحفر شويّة، تحاول تلقى شي. لحد ما بيوم، تحت طابوقة قديمة، طلعت خشبة محفور عليها نفس النقوش. حركتها، ولقت تحتها فتحة صغيرة، چأنها سرداب مخفي.
نزلت، والهوى صار بارد، كلشي چان ساكت، إلا خطواتها. وصلت غرفة صغيرة جوّا الأرض، بيها كتب، دفاتر، صور، ورسائل مكتوبة بخطّ ناس من سنين بعيدة. چانت أرشيف حيّ، گدرت من خلاله تتعرّف على تاريخ عائلتها، وعلى سرّ الجرة: إنّها كانت رمز المعرفة، واللي يلقاها، عليه يحافظ على القصص، يحچيها، ويخلّدها.
من ذاك اليوم، رُبى چانت تحچي للأطفال بكل حيّ، تحچيهم عن بغداد، عن الجرة، وعن الذاكرة اللي ما تموت.